- الخطب
- /
- ٠2خطب الأعياد
الخطبة الاولى:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلاً.
الحمد لله رب العالمين، يا ربي اكتب الصحة والسلامة لحجاج بيتك الحرام، الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، جاؤوك شعثاً غبراً.
﴿ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾
وقد خلفوا رواءهم أوطانهم وخلانهم، وأعمالهم وحظوظهم، لا يحدوهم لرحلتهم إليك إلا الطمع في مغفرتك، والرغبة في رحمتك، والفوز في رضوانك، وقد أخبرهم نبيك صلى الله عليه وسلم أنهم وفدك إليك، إن دعوك أجبتهم، وإن استغفروك غفرت لهم، ووعدتهم على لسان نبيك أيضاً الذي لا ينطق إلا بالحق أنه:
((من حج لله عز وجل فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ، رجع كيوم وَلَدَتْهُ أمُّه ))
يا ربي اغفر لهم وراحمهم، وعافيهم وأعفو عنهم، ولقهم الأمن والبشرى، والكرامة والزلفة، ولقنا وإياهم حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق و البشر، أدى الأمانة وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حق الجهاد، وهدى العباد إلى سبيل الرشاد.
من معاني العيد :
1 ـ الأخوة بين المؤمنين :
أيها الأخوة المؤمنون، في العيد معانٍ كثيرة، من هذه المعاني الكثيرة الأخوة بين المؤمنين، لا تتجلى الأخوة بين المؤمنين في يوم أشد مما تتجلى في أيام العيد فالله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم:
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾
أي من خصائص واحدة، فطركم فطرة واحدة، جبلكم جبلة واحدة.
﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
في الحديث الشريف:
(( يا داود ذكِّر عبادي بإحساني إليهم فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها ))
أيها الأخوة الكرام، كما أن الله سبحانه وتعالى ما أمرنا أن ندعوه إلا ليستجيب لنا، وما أمرنا أن نتوب إلا ليتوب علينا، وما خلقنا من نفس واحدة إلا لنتعاون، ونتحابب، ونتزاور، ونتباذل، ورد في الحديث القدسي:
(( وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتباذلين فيَّ، والمتزاورين فيَّ والمتحابون في جلالي على منابر من نور يغبطهم عليها النبييون يوم القيامة ))
المعنى الأول من معاني العيد الأخوة بين المؤمنين، لا ينبغي أن يبقى بين المؤمنين خصومة، ولا شقاق، ولا تدابر، ولا هجران، هذا العيد فيه عودة إلى منهج الله، فيه عودة إلى تطبيق ما أمر الله، فيه عودة إلى صلة الرحم.
الأخوة الإنسانية :
أيها الأخوة الكرام، أراد الله سبحانه وتعالى أن نجتمع، لأنه كما يقول بعض العلماء: قهرنا أن نجتمع، فما منا واحد إلا وهو في حاجة أخيه، يتقن حاجة، وهو في أمس الحاجة إلى آلاف حاجات، هذه مشيئة الله، مشيئة الله أن نجتمع، لذلك ورد في الحديث الصحيح:
((لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه))
وفي رواية:
(( وحتى يكره لها ما يكره لنفسه))
وإذا أردنا أن نفهم هذا الحديث الشريف الصحيح وفق الأصول الصحيحة فإن الأخوة في هذا الحديث لم تقيد، وردت مطلقة، وحيثما وردت الأخوة مطلقة فإنما تعني أوسع دائرة إنها الأخوة الإنسانية.
((لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه))
النبي عليه الصلاة والسلام علق صحة الإيمان على رأي، وعلق كمال الإيمان على رأي بهذه المودة، وهذه المحبة، وهذا الوئام، وهذا التواصل الذي يتجسد بأن أحدكم لا يؤمن إلا إذا أحب لأخيه ما يحب لنفسه، وينبغي أن نضيف الرواية التالية:
(( وحتى يكره لها ما يكره لنفسه ))
فإذا أحببت لأخيك المؤمن ما تحب لنفسك وإذا كرهت له ما تكره لنفسك فأنت مؤمن ورب الكعبة.
الأخوة بين المؤمنين أبدية سرمدية :
أيها الأخوة الكرام، الآية الكريمة التي تقول:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
هذه الآية وقفوا عندها العلماء وقفة طويلة، الأخوة بين المؤمنين أبدية سرمدية، كما أن أخوة النسب أبدية، الأخ الشقيق أخ شقيق شئت أم أبيت، أحببت أم كرهت، أخ شقيق سابقاً واليوم لاحقاً، والنبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة أكد هذا المعنى، والآية الكريمة تؤكد هذا المعنى حينما تشبه الأخوة بين المؤمنين بأخوة النسب، كيف أن أخوة النسب حتمية سرمدية أبدية، كذلك أخوة الدين.
العلماء يقولون: التركيب الاسمي يفيد الثبات والاستمرار بينما التركيب الفعلي يفيد الحدوث والانقطاع فهذه الآية جاءت على صيغة التركيب الاسمي، مبتدأ وخبر:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
وجاءت إن لتؤكد إسناد الخبر إلى المبتدأ، وجاءت إنما أنه ما لم تشعر لانتمائك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً.
أيها الأخوة الكرام، هذه بعض المعاني المستفادة من هذه الآية:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
الأصل أن تكون الأخوة المودة والرحمة والتعاون والتآزر بين المؤمنين، وإن كان على خلاف ذلك فهذه حالة مرضية ينبغي أن تعالج.
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾
أمر في القرآن الكريم، وكل أمر يقتضي الوجوب، يتوهم بعض المتوهمين أن الفرائض الخمسة هي التي تقتضي الوجوب، لكن علماء الأصول يقولون: إن أي أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب:
﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾
أيها الأخوة الكرام، لا ينبغي أن يبقى بين المؤمنين خصومة، وهذا العيد هو المناسبة الأولى للتقارب، والتواصل، والتراحم، والتعاون، والتزاور، والتبادل، والتجالس.
(( وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتباذلين فيَّ، والمتزاورين فيَّ والمتحابون في جلالي على منابر من نور يغبطهم عليها النبييون يوم القيامة ))
النهي عن كل ما يضعضع الأخوة بين المؤمنين :
أيها الأخوة الكرام، انطلاقاً من هذه الآيات التي وردت في القرآن الكريم، والتي تؤكد الأخوة بين المؤمنين النبي عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى، النبي عليه الصلاة والسلام الذي تعد أحاديثه الصحيحة وحياً غير متلو، انطلاقاً من هاتين الآيتين الكريمتين النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن كل ما يضعضع هذه الأخوة، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:
((المسلم أخو المسلم، لا يخونُه، ولا يكذِبُهُ، ولا يَخْذُله، ولا يظلمه، ولا يحقره، ولا يسلمه، كلُّ المسلم على المسلم حرام: عِرْضُهُ، ومالُه، ودمُه))
ينبغي ألا تأخذ مال أخيك إلا عن طيب نفس منه، من أجل أن تمتن هذه الروابط، وكم من أسر تفككت، وكم من علاقات اجتماعية انفصمت بسبب أكل المال الحرام.
(( كلُّ المسلم على المسلم حرام: عِرْضُهُ، ومالُه، ودمُه))
لذلك قال الله تعالى:
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾
في الآية لفتة رائعة، لم يسمِ الله عز وجل المال الذي تأكله مال أخيك، لم يقل ولا تأكلوا أموالكم إخوانكم، لم يقل لا تأكلوا أموالكم إخوتكم، قال:
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ ﴾
هذا المال الذي هو مال أخيك هو في الحقيقة مالك، من زاوية واحدة، هذه الزاوية أنه يجب أن تحافظ عليه فلأن تمتنع عن أكله من باب أولى، من باب أولى أن تمتنع عن أكله إذا كنت مكلفاً في نص الآية الكريمة أن تحافظ عليه.
((كلُّ المسلم على المسلم حرام: عِرْضُهُ، ومالُه، ودمُه ))
أما عرضه سمعته، العرض في اللغة موقع المدح والذم في الإنسان، فإذا طبقنا هذا الحديث الشريف:
((المسلم أخو المسلم، لا يخونُه، ولا يكذِبُهُ، ولا يَخْذُله، ولا يظلمه، ولا يحقره، ولا يسلمه، كلُّ المسلم على المسلم حرام: عِرْضُهُ، ومالُه، ودمُه))
ويقول عليه الصلاة والسلام:
((بحسب امرئ من الشر أَن يحقِرَ أخاه المسلم ))
يكفيك شراً، يكفيك إثماً، تكفيك معصية أن تحقر أخاك المسلم، انطلاقاً من قول الله عز وجل:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل شيء يضعضع هذه الأخوة، عن كل شيء يفصم عُرى هذه الأخوة، عن كل شيء يضعف هذه الأخوة.
وصف لمجتمع الكفار :
الله جل جلاله وصف مجتمع الكفار بقوله تعالى:
﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ﴾
المعنى المخالف الذي ينبغي أن يكون عليه المؤمنون تراهم جميعاً وقلوبهم جميعاً.
أيها الأخوة الكرام، لذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً عن أية علاقة تفصم هذه الأخوة قال:
((لا تحاسدوا ))
من الحسد أن تتمنى زوال النعمة عن أخيك من أجل أن تصل إليك، هذا هو الحسد، وهناك مستوى أشد إثماً، والحسد أيضاً أن تتمنى زوال النعمة عن أخيك دون أن تصل إليك، من أجل أن تشمت به، والمعنى الثالث أن تسعى بجهدك من أجل أن تزيل عن أخيك النعمة، أول مستوى أن تتمنى، لا تفعل شيئاً، تتمنى أن تزول النعمة عن أخيك كي تصير إليك، المعنى الثاني تتمنى أن تزول عن أخيك دون أن تصل إليك، المعنى الأعظم، المعنى الأكبر أن تسعى كي تزيل النعمة عن أخيك، إلا أن أخاك إن حصّل شيئاً من خير الآخرة، وتمنيت أن يكون لك مثل هذا الخير هذه هي الغبطة التي لا شيء عليها، قال عليه الصلاة والسلام:
((لا تحاسدوا ))
وقال عليه الصلاة والسلام:
((لا تَنَاجَشُوا، لا تَباغَضُوا ))
التناجش أن تبيع على بيع أخيك، أن تبيع بيعاً شكلياً كي تضر أخاك في بيعه.
((لا تحاسدوا، لا تَنَاجَشُوا، لا تَباغَضُوا، ولا تدابَرُوا))
لا تحاسدوا واضحة، لا تناجشوا لا تبع على بيعه، لا تبع بيعاً خلبياً من أجل أن توقع الضرر به، لا تشتري شراءً خلبياً كي توقع الأذى به، هذا هو التناجش.
((لا تَباغَضُوا ))
البغض شعور قلبي كيف ينهى النبي عنه؟ قال: شرح الحديث:
((لا تَباغَضُوا ))
بمعنى لا تفعلوا فعلاً يحملكم هذا الفعل على أن تباغضوا، لا تعمل عملاً يبغضك الناس من أجله.
((لا تَباغَضُوا ))
ولا تعمل عملاً يبتعد الناس عنك، اشمئزازاً منك.
((لا تحاسدوا، لا تَنَاجَشُوا، لا تَباغَضُوا، ولا تدابَرُوا، وكونوا عبادَ الله إِخوانا))
التحريش بين المؤمنين عمل الشيطان الأول :
أيها الأخوة الكرام، الشيطان يئس أن يعبد غير الله في بلاد الله، قال عليه الصلاة والسلام:
(( إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم))
(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي، أما أني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ولكن شهوة خفية، وأعمال لغير الله))
أن يعبد الصنم بعد ظهور الإسلام هذا من مستحيل.
(( إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم، ولكن رضي - بماذا رضي؟ - قال عليه الصلاة والسلام: ولكن رضي التحريش بين المؤمنين))
يكاد يكون عمل الشيطان الأول التحريش بين المؤمنين، من أجل التدابر، من أجل التباغض، من أجل التحاسد، من أجل التقاطع.
لذلك هل تصدقون أيها الأخوة أن النبي صلى الله عليه وسلم عدّ فساد ذات البين حالقة لا لشعر الرأس ولكنها حالقة للدين، قال عليه الصلاة والسلام:
(( إياكم وفساد ذات البين، فإنها الحالقة، لا أقول حالقة الشعر، ولكن حالقة الدين))
يمكن أن يتخلى الإنسان عن إسلامه، وعن دينه، وأن يرتكب الكبائر من أجل خصومة بينه وبين أخيه، فأية خصومة إذا استشرت، وتفاقمت، وتفجرت، وتشعبت، ربما أودت بصاحبها إلى الهلاك.
أيها الأخوة الكرام، قوة المؤمنين في اجتماعهم، في تناصرهم، في تعاونهم، في رأب الصدع فيما بينهم، في لمّ شملهم.
الأسباب التي تمتن الأواصر بين المؤمنين :
1 ـ إطعام الطعام :
أيها الأخوة الكرام، كل شيء يضعضع الأخوة نهى النبي عنه، وكل شيء يفصمها نهى النبي عنه، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكل ما يمتنها، بكل ما يقويها، بكل ما يدعمها، بكل ما ينميها، قال عليه الصلاة والسلام بعد أن سأله سائل من أصحابه يا رسول الله:
((أيُّ الإسلامِ خيرٌ ؟ قال:' تُطعِمُ الطعامَ، - إطعام الطعام يسبب المودة بين الناس - تُطعِمُ الطعامَ، وتَقْرَأُ السلامَ على مَنْ عَرَفْتَ ومَنْ لم تَعرِف ))
2 ـ إفشاء السلام :
إفشاء السلام أحد الأسباب التي تمتن الأواصر بين المؤمنين، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( أفْشُوا السلام، وأطعموا الطعام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنةَ بسلام ))
وفي حديث آخر:
((أفشوا السلام تسلموا))
هذه واحدة إفشاء السلام يمتن العلاقة بين المؤمنين.
3 ـ عيادة المريض :
شيء آخر أمر به النبي عليه الصلاة والسلام عيادة المريض، عيادة المريض ورد فيها حديث قدسي.
((إنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول يومَ القيامة: يا ابنَ آدمَ مَرِضْتُ فلم تَعُدْني، قال: يارب كَيْفَ أعُودُكَ وأنتَ ربُّ العالمين؟ قال: أمَا علمتَ أنَّ عبدي فلاناً مَرِضَ فلم تَعُدْهُ؟ أما علمتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لوجَدتني عنده))
أي أنك إذا زرت مريضاً هذه الزيارة تبعث في قلبك السرور لماذا؟ لأن هذا المريض منكسر إلى الله، تائب إلى الله، مقبل على الله، فالله سبحانه وتعالى حينما سلبه الصحة لحين عوضه من أنواره ومن السكينة الأشياء الكثيرة، إنك إن زرت مريضاً مؤمناً تشعر بالراحة.
(( أما علمتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لوجَدتني عنده ))
عيادة المريض واجب إسلامي، عيادة المريض تمتن العلاقة بين المؤمنين.
4 ـ تلبية الدعوة :
شيء آخر: النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من دعي ولم يجب فقد عصى أبا القاسم "
من دعاك وجب حقه عليك، تلبية الدعوة تمتن أواصر المودة والمحبة، لكن أهل الدنيا يلبون دعوة الأقوياء والأغنياء، ويعرضون عن دعوة الفقراء والمساكين، تلبية دعوة الفقير والمسكين من عمل الآخرة، وتلبية دعوة الغني القوي من عمل الدنيا، فالنبي صلى الله عليه وسلم حينما أمرنا أن نلبي الدعوة أمرنا أن نلبي أي دعوة، ورد في الحديث الشريف:
(( لو دُعيتُ إلى كُراَع في الغميم لأجبت ))
الغميم خارج المدينة، مكان في ظاهرها، والكراع أقل طعام يقدم للضيف، أي قوائم الخروف، فتلبية الدعوة تزيد أواصر القربى، وإفشاء السلام يزيد أواصر القربى، وعيادة المريض تزيد أواصر القربى.
5 ـ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر :
أيها الأخوة الكرام، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الفريضة السادسة، والله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾
وفي الآية لفتة رائعة، لم يقل: صالحون، لو كانوا صالحين أهلكهم، لماذا؟ لأنهم تقاعسوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾
هؤلاء بنو إسرائيل، أهلكهم الله عز وجل لأنهم:
﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾
هذه المجالات وهذه النماذج من الأشياء المبنية على إلغاء النصح، وإلغاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا هو سبب البلاء.
﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾
ورد قي الأثر أن الله عز وجل أرسل ملائكة ليهلك قوماً فقال الملائكة: "يا ربي إن فيها رجلاً صالحاً؟ قال: به فابدؤوا، لأنه كان لا يتمعر وجهه إذا رأى منكراً".
6 ـ النصيحة :
((والنُّصْحَ لكل مسلم ))
لذلك مما يزيد المودة والرحمة بين المؤمنين النصح لكل مسلم.
(( إِنَّ الدِّينَ النصيحة. قلنا: لِمَنْ يا رسول الله؟ قال: لله))
أي انصح الناس أن يستقيموا على أمر الله، انصح الناس أن يلتفتوا إلى الله، انصح الناس أن يأتمروا بأمر الله، انصح الناس أن يقبلوا على الله.
((لله، ولكتابه))
انصح الناس أن يقرؤوا القرآن، انصح الناس أن يفهموا القرآن، أن يطبقوا القرآن، أن يحضروا مجالس العلم التي تتبين بها معالم القرآن.
((لله، ولكتابه ولرسوله ))
انصح الناس أن يطبقوا سنة النبي، أن يأتمروا بأمره، أن يأخذوا ما أتاهم، وأن ينتهوا عما نهاهم، انصح الناس.
((ولأَئمة المسلمين))
وانصح أئمة المسلمين أن يكونوا وقافين عند كتاب الله، وانصح عامتهم.
((الدِّينَ النصيحة ))
هو تعريف جامع مانع.
(( قلنا: لِمَنْ يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه ولرسوله، ولأَئمة المسلمين وعامتهم))
أيها الأخوة الكرام، هذه نقطة أولى في موضوع العيد، الأخوة بين المؤمنين، يجب أن تكون متينة، قوية، متنامية.
﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾
2 ـ من معاني العيد أيضاً الفوز بمعرفة الله :
المعنى الثاني أيها الأخوة، أن العيد في الإسلام يأتي بعد عبادتين كبيرتين، عيد الفطر السعيد يأتي عقب صيام رمضان، وعيد الأضحى المبارك يأتي عقب أداء فريضة الحج، والإنسان حينما ينجح في تطبيق أمر الله عز وجل لا شك أنه يفرح، فهذه كلمة الله أكبر تعبير عن أن هذا العبد عرف الله، عرفه أكبر من كل شيء، أكبر من حظوظ الدنيا، أكبر من الدنيا وما فيها، أكبر من كل كبير.
أيها الأخوة الكرام، كلمات أسوقها لكم لكنها خطيرة، من قال: الله أكبر بلسانه ألف مرة وأطاع مخلوقاً وعصى خالقه، فما قالها ولا مرة ولو رددها بلسانه ألف مرة، من قال: الله أكبر ولم يقم الإسلام في بيته ما قال الله أكبر ولا مرة، لماذا؟ لأنه رأى إرضاء أهله أكبر عنده من إرضاء الله، من خالف منهج الله عز وجل في تعامله اليومي رأى أن هذا المال الذي يكسبه الإنسان أغلى عنده من طاعة الله، فحينما لا تقيم الإسلام في بيتك، وحينما لا تأتمر بما أمر الله ولا تنتهي عما نهى عنه، وحينما تطيع مخلوقاً وتعصي خالقاً، ما قلت الله أكبر ولا مرة، ولو رددتها بلسانك ألف مرة، لماذا فتح المسلمون العالم؟ لماذا رفرفت راياتهم في الخافقين؟ لماذا كانوا سادة الدنيا؟ لماذا كانوا قادة الشعوب؟ لماذا المسلمون على نحو آخر الآن؟ لأن الأوائل قالوا الله أكبر، قالوها شكلاً ومضموناً، قالوها بألسنتهم وطبقتها أفعالهم، والمسلمون في آخر الزمان وصفوا بآية واحدة جامعة مانعة بليغة حاسمة:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
3 ـ العيد واحة للإنسان يستريح بها من العمل الشاق المستمر :
وأن الحياة دار عمل، دار سعي، دار كد، دار جهد، كأنك في صحراء تقطع الفيافي، من أجل متابعة السير، من أجل أن تقوى على متابعة السير لابد من واحة تشرب منها الماء العذب، وتتلقى النسمات اللطيفة، وتستظل بالظل الظليل، الأعياد في الإسلام هي واحة يستريح فيها الإنسان من عناء السير، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((أيها الناس إنها أيام أكل وشرب وبعال ))
الإنسان يجلس مع أولاده، مع أهله، يبتسم لهم، يبالغ في المودة لهم، هذا من خصائص العيد، المعنى الأول فيه معنى الأخوة، والمعنى الثاني فيه معنى الفوز بمعرفة الله عز وجل، والمعنى الثالث هو أن يكون العيد واحة لك تستريح بها من العمل الشاق المستمر.
أيها الأخوة الأكارم، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.
* * *
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
صور مشرقة من صور المؤاخاة بين الصحابة :
أيها الأخوة الكرام، عودة إلى موضوع الأخوة الإنسانية، ولكن لا في مستوى النصوص وتفسيرها، لكن بمستوى الوقائع التي تبرزها، سيدنا الصديق رضي الله عنه كان له جيران عجائز مات أزاوجهن، أو استشهدوا في سبيل الله، وكان رضي الله عنه إكراماً لهن يؤم بيوت جيرانه فيحلب لهن الشياه، ولما آلت الخلافة إليه تناهى إلى سمعه حسرة هؤلاء العجائز لأنهن سيحرمن من هذه الخدمة الجليلة التي يؤديها هذا الرجل الصالح، ولكنه أخلف ظنونهن، وفي اليوم التالي لتوليه الخلافة يقرع باب إحدى تلك الدور، وتسارع فتاة صغيرة لتفتح الباب، ولا تكاد ترى أبا بكر رضي الله عنه حتى تصيح لأمها يا أماه، جاء حالب الشاة ليحلب لنا الشياه، هذا العمل يقوم به خليفة المسلمين!! يقدم هذه الخدمة لجيرانه!! إنه يؤكد تلك الأخوة بين المؤمنين.
أيها الأخوة الكرام، الأخوة بين المؤمنين لا تعني أن تؤاخي من هو في مستواك، هذا طبع في الإنسان، ولكن التكليف يأمرك أن تؤاخي أي مؤمن، ولو كان بينك وبينه أمد بعيد.
سيدنا الصديق مرة ثانية حينما مرّ بأمية بن خلف حينما كان يعذب بلالاً الحبشي، قال له: ألا تتقي الله عز وجل في هذا المسكين؟ حتى متى تعذبه؟ فقال أمية: أنقذه مما ترى، فقال أبو بكر: أفعل، خذ أكثر من ثمنه واتركه حراً، فنقد أبو بكر أمية الثمن وحرر بلالاً من رق العبودية وتأبط ذراعه، إشعاراً بالمساواة التامة، فقال أمية: خذه و اللات والعزة لو أبيت أن تشتريه بدرهم لبعتكه، فرأى الصديق في هذا الكلام الفظ مساً بكرامة بلال، فقال رضي الله عنه والله لو طلبت فيه مئة ألف لأعطيتكها، وسار الصديق متأبطاً ذراع بلال قائلاً: هذا أخي حقاً.
الأخوة بين المؤمنين لا أن تصاحب من هو في مستواك المالي، أو مستواك الثقافي المؤمنون في مستوى واحد، الإيمان رفعهم إلى طبقة واحدة.
فلذلك سيدنا الصديق من أركان قريش ومع ذلك وضع يده في إبط بلال وقال: هذا أخي حقاً، وكان أصحاب النبي رضي الله عنه يقولون إذا ذكروا بلالاً: هو سيدنا وأعتق سيدنا يعنون به بلالاً، وحينما انتقل النبي إلى الرفيق الأعلى ذهب بلال إلى أبي بكر رضي الله عنه وقال: يا خليفة رسول الله أردت أن أرابط في سبيل الله حتى أموت، فقال أبو بكر: ومن يؤذن لنا؟ قال بلال وعيناه تفيض بالدموع: ما كنت لأؤذن لأحد بعد رسول الله، فقال أبو بكر: فابقَ وأذن لنا يا بلال، وقال بلال، ودققوا فيما قال: إن كنت أعتقتني لأكون لك فليكن ما تريد، أنا أنفذ ما تريد، وإن كنت أعتقتني لله فدعني وما أعتقتني له، فقال أبو بكر: بل أعتقتك لله يا بلال، فامض لما أردت.
الموقف الثالث الذي يؤكد أرقى أنواع الأخوة كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤاخي بين الأنصار والمهاجرين اثنين اثنين، مهاجر وأنصاري، و قد آخى بين سعد بن الربيع الأنصاري وعبد الرحمن بن عوف المهاجر، ماذا تعني الأخوة؟ لا تعني إفشاء السلام فقط تعني المعاونة، تعني المؤاثرة، تعني البذل، تعني التضحية.
فقال سعد بن الربيع لأخيه عبد الرحمن: أنا أكثر أهل المدينة مالاً، عندي بستانان فانظر أي بستاني أحب إليك حتى أخرج لك منه، فقال عبد الرحمن بن عوف لأخيه الأنصاري: بارك الله لك في مالك، ولكن دلني على السوق، فدله عليه، فجعل يتجر وطفق يشتري ويبيع ويربح حتى اجتمع لديه مهر امرأة فتزوجها.
أيها الأخوة الكرام، الموقف الثالث الذي يلفت النظر في الأخوة الإنسانية ما رواه حذيفة العدوي قال: انطلقت يوم اليرموك، أطلب ابن عم لي في القتلى، ومعي شيء من الماء وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته، فإذا أنا به بين القتلى فقلت له: أسقيك؟ فأشار إلي أن نعم، ثم سمع رجلاً يقول: آه، فأشار إلي ابن عمي أن انطلق إلى هذا واسقه، فإذا هو هشام بن العاص فأشار إلي أن نعم، فسمع آخر يقول: آه، فأشار إلي أن انطلق إليه، فجئته فإذا هو قد مات، رجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، رجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات.
بربكم الإنسان يموت والذي يموت وقد نزف دمه يشتري كأس الماء بمليون، وهو بحال النزاع الأخير يؤثر أخاه بشربة ماء، بهذه الأخلاق فتح الصحابة البلاد، بهذه الأخلاق رفرفت راياتهم في الآفاق، بهذا التعاون أيام العيد، أيام المحبة، أيام الوئام، أيام العفو، أيام المسامحة، أيام صلة الرحم، لا تبقي في حياتك مشكلة حلها.
معاني الآية التالية :
دققوا في الآية، إلهنا وربنا يقول:
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾
هذه الآية ثلاثة معاني، المعنى الأول أصلح ما بينك وبين الله:
﴿ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾
بالصلح معه، بالتوبة إليه، بالإقبال عليه، بخدمة عباده، هذا المعنى الأول.
المعنى الثاني:
﴿ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾
أية علاقة بينك وبين الآخرين عليك أن تصلحها، مع أخيك، مع ابنك، مع أبيك، مع زوجتك، مع جارك، مع شريكك:
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾
والمعنى الثالث: عليك أن تصلح أي علاقة فاسدة بين رجلين، وأنت لا علاقة لك بهذه العلاقة، أصلح أية علاقة بين مؤمنين، هذا أمر إلهي، وهذا الأمر يقتضي الوجوب، لكن الناس لما ابتعدوا عن دينهم انعزلوا عن بعضهم بعضاً، واكتفى كل ببيته، هو في بيته لا يعينه الآخرون، سعدوا أم شقوا، توافقوا أم تخاصموا، اقتربوا أم ابتعدوا، لكن الله سبحانه تعالى:
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾
أردت أن يكون موضوع هذه الخطبة الأخوة بين المؤمنين لأن هذا اليوم يوم المحبة، ويوم المسامحة، ويوم العفو، ويوم صلة الرحم، لابد من أن تصلح العلاقة مع من حولك والمسامح كريم، والذي يبدأ بالصلح أرقى عند الله من الذي يتلقى الصلح.
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا مولانا رب العالمين.
اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الخوف إلا منك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء مولانا رب العالمين.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك .
اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين.
اللهم استر عوراتنا، وآمن رواتنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاة المسلمين إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.